200 مواجهة يومياً بينما تتسابق روسيا لاختراق معاقل أوكرانية
مارك سانتورا- نيويورك تايمز
Friday, 27-Sep-2024 06:19

بعد أشهر من الضغط المتواصل والتقدّم البطيء والدموي، تواصل القوات الروسية ضغطها على معاقل عدة على امتداد أكثر من 100 ميل من الجبهة المتعرّجة في منطقة دونيتسك الشرقية في أوكرانيا.

بالنسبة إلى أوكرانيا، فإنّ فقدان أي من تلك المواقع الدفاعية المهمّة قد يُغيِّر بشكل كبير معالم المعركة للسيطرة على المنطقة، التي طالما طمحت إليها روسيا بقيادة الرئيس فلاديمير بوتين.

وعلى الرغم من الخسائر الفادحة، تواصل القوات الروسية شَنّ هجمات مدرّعة وإرسال موجات من المشاة سيراً على الأقدام، وعلى الدراجات النارية والمركبات البرمائية، لمهاجمة المواقع الأوكرانية من شمال تشاسيف يار إلى معقل فوهليدار في الجنوب، الذي يواجه خطر التطويق، وفقاً للجنود الأوكرانيِّين ومقاطع الفيديو القتالية.

مع الهجمات عبر الحقول المليئة بالحفر، تتسابق القوات الروسية للاستيلاء على الأراضي قبل أن يُزيل الخريف أوراق الشجر التي يستخدمونها كغطاء وتتحوّل الأراضي الزراعية الخصبة إلى مستنقع بسبب الأمطار.

وعلى الرغم من الإرهاق الذي أصاب الجيشَين، فإنّ المعارك في الشرق تظل مميتة كما كانت في أي لحظة من الحرب، بحسب الجنود الأوكرانيِّين والمسؤولين الغربيِّين.

في يومَين الأسبوع الماضي، أفاد الجيش الأوكراني بأكثر من 200 مواجهة بين الجانبَين، وهو أعلى رقم يُسجّل منذ أشهر عديدة، بحسب «ديب ستايت»، وهي مجموعة من المحلّلين التي ترسم خريطة ساحة المعركة.

في مكان قرب الجبهة، حيث يتلقّى الجنود الجرحى العلاج، كانت التدفّقات المستمرة من الجرحى، خلال عطلة نهاية الأسبوع الماضية، تشهد على شدّة المعارك. وفي غضون 24 ساعة فقط، عالجت فرق صغيرة من المسعفين أكثر من 70 جندياً.

وأحصت الرقيب فاليريا، وهي مسعفة قتالية (23 عاماً)، قائمة بالإصابات المروّعة التي تعرّض لها الجرحى، بما في ذلك إصابات الرأس الشديدة والحروق التي تغطّي أكثر من 20 في المائة من أجسادهم.

بينما كان المقاتلون المرهَقون يجلسون متّكئين على جدار يستمعون إلى صرخات جندي مصاب في القتال حول فوهليدار، أشارت إلى أنّ في الحسابات القاتمة لمهنتها، تُعتبَر الصرخات علامة إيجابية، مضيفةً «أهم شيء في الشخص الذي يصرخ هو أنّه يتنفّس».

وطلبت الرقيب فاليريا، مثل غيرها من الجنود الذين تمّت مقابلتهم على الجبهة، أن تُحدَّد هويتها بالاسم الأول أو النداء الحربي فقط، وفقاً للبروتوكولات العسكرية. وقد سُمِح لـ»نيويورك تايمز» بالوصول إلى المسعفين والجنود في المنشأة بشرط عدم الكشف عن موقعها.

بينما تستمر المعارك في الداخل، كان الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في الولايات المتحدة هذا الأسبوع، في مهمّة دبلوماسية يصوّرها على أنّها لا تقلّ أهمية.

وتحدّث زيلينسكي في الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم الأربعاء، وكان من المقرّر أن يلتقي الرئيس بايدن أمس، إذ من المتوقع أن يناشد مرّة أخرى للسماح له بشنّ ضربات أعمق داخل الأراضي الروسية باستخدام الصواريخ التي توفّرها الدول الغربية. ومن دون ذلك، يرى أنّه سيكون من الصعب مواصلة جلب الحرب إلى الأراضي الروسية، وهو السبيل الوحيد، كما يعتقد، الذي يمكن أن يجلب موسكو إلى طاولة المفاوضات.

كان بايدن متردّداً في الموافقة على مثل هذه الضربات العميقة، خوفاً من المواجهة مع روسيا. الأربعاء، ردّ بوتين بأنّه يُخطِّط لخفض العتبة لاستخدام بلاده للأسلحة النووية، في تصعيد لجهود الكرملين لردع الولايات المتحدة عن توسيع مساعداتها العسكرية لأوكرانيا.

على طول الخط الأمامي الشرقي، تحدّث الجنود الأوكرانيون الذين تمّت مقابلتهم هذا الشهر، عن الإرهاق وتأمينهم لمنطقة واحدة فقط لرؤية أخرى تقع تحت التهديد. فالأرض التي يدافعون عنها، وهي الأقسام غير المحتلة المتبقية من دونيتسك، هي جزء من منطقة دونباس، التي كانت في يوم من الأيام القلب الصناعي لأوكرانيا.

المدن والبلدات التي تتعرّض إلى الهجوم لها أهمية استراتيجية لأسباب مختلفة، بما في ذلك استخدامها كمحاور لنقل الجنود والإمدادات، وارتفاع مواقعها. ومن غير الواضح مدى قوة خط الدفاع الأوكراني التالي بعد هذه المواقع.

مع ذلك، فشلت القوات الروسية في تحويل بعض التقدّمات السابقة إلى اختراقات سريعة. كما أنّها تدفع ثمناً باهظاً في الأرواح والمعدات مقابل كل ميل تكسبه.

وصَدّ الأوكرانيّون الروس لشهور خارج بلدة تشاسيف يار المدمّرة التي تقع على تلة، لكن على بُعد 20 ميلاً فقط جنوباً، يتقدّم الروس في معارك دموية في المناطق الحضرية التي تدور الآن داخل مدينة توريتسك.

إلى الجنوب من هناك، أدّى التقدّم الروسي نحو مدينة بوكروفسك خلال الأشهر السبعة الماضية إلى خلق انتفاخ بعمق حوالى 22 ميلاً وعرض 15 ميلاً، ممّا غيّر شكل الجبهة بطرق معقّدة.

فبوكروفسك، وهي مركز حيوي للسكك الحديد والطرق، تُعتبر آخر مدينة كبيرة قبل السهول المفتوحة التي تؤدّي إلى منطقة دنيبرو، التي تضمّ ثالث أكبر مدينة في أوكرانيا وتُعَدّ حيوية لاقتصادها.

في الوقت الحالي، أوقف الجنود الأوكرانيّون التقدّم المباشر نحو بوكروفسك، لكنّ الروس قريبون، ويعزّزون مواقعهم على بُعد حوالى 5 أميال إلى الشرق.

المدينة نفسها تتعرّض إلى القصف يومياً. ودُمِّرت جميع الجسور العلوية للطرق السريعة، لذلك تحثّ السلطات الـ15,000 شخص الذين لا يزالون في المدينة على استخدام الطرق الترابية المتعرّجة لمغادرتها فيما يستطيعون.

وأشارت كاترينا كانديبكو، وهي أم لطفلين تبلغ من العمر 34 عاماً، في مقابلة على مشارف المدينة، إلى أنّ «الأمر مرعب للغاية». عائلتها جاهزة للهروب، لكنّها ما زالت باقية: «لا نريد حقاً الرحيل على الإطلاق. لكن بالتأكيد لا نريد العيش تحت العلم الروسي».

في الأراضي الزراعية المحيطة، تضيء سماء الليل حقول عباد الشمس التي لم تُحصد واشتعلت بالنيران بسبب القصف.

من جانبه، تحدّث سيرهي، وهو سائق شاحنة يبلغ من العمر 45 عاماً، وهو يسارع لنقل آلاف الخنازير من مزرعة كبيرة تحت القصف في المنطقة الحدودية، بقوله: «انظر حولك، على الرغم من أنّ هذه منطقة ريفية، لا توجد طيور، لا حيوانات - لا حتى كلاب أو قطط ضالة. الجميع مرهقون، البشر والحيوانات على حَدٍّ سواء». وطلب عدم استخدام اسم عائلته حفاظاً على سلامتهم.

وأوضح جنسنغ، النداء الحربي لرقيب أول يبلغ من العمر 44 عاماً، وهو المسؤول عن وحدة مدفعية في لواء «اليغر» الـ68، المكلّف حماية الجناح الجنوبي لبوكروفسك، إلى أنّ القوات الأوكرانية استقرّت على خط الدفاع، لكنّ المعركة ظلت «كابوساً».

وأشار إلى بندقية بالقرب من مدخل مخبأه، قائلاً إنّها أفضل وسيلة دفاع ضدّ الطائرات الروسية الصغيرة المهاجمة عندما تفشل أجهزة التشويش الإلكترونية، مضيفاً: «يطيرون في موجات: واحدة تصل، ثم بعد 15-20 دقيقة، أخرى».

فريقه الصغير من الجنود الذين يشغلون مدفع هاوتزر من تصميم سوفياتي لا يخرجون من المخبأ إلّا عندما يتلقّون هدفاً من مشغّلي الطائرات المسيّرة الخاصة بهم. وحتى لو تمكنوا من الحفاظ على خطوطهم، يخشى جنسنغ أن تكون بوكروفسك محكوم عليها بالفناء، مؤكّداً: «سيُسوُّونها بالأرض. رأيتُ العديد من المدن تُمحى - إنّه أمر ساحق».

في الوقت الحالي، المنطقة الواقعة جنوب بوكروفسك هي ربما الجزء الأكثر تقلّباً من الجبهة التي أصبحت قوساً متعرّجاً بشكل متزايد مع دفع الروس الأوكرانيِّين إلى الخلف في جيوب.

وعلى بُعد حوالى منتصف الطريق إلى فوهليدار، 60 ميلاً إلى الجنوب، تقف المداخن الشاهقة لمحطة طاقة مهشّمة في كراخوفو خامدة فوق مدينة محطّمة كانت تضمّ نحو 20 ألف نسمة. لكنّ الدخان الأسود الذي يتصاعد فوق القرى المجاورة مرئي بوضوح عبر السهول المسطحة، ويُشير إلى تقدّم الروس.

وأوضح اللواء الجوي 46 الأوكراني، المسؤول عن جزء من الدفاع عن المنطقة المحيطة بكراخوفو، في تصريحات عامة، أنّ هجومَين حديثَين شمل نحو 100 دبابة وناقلات جند مدرّعة ومركبات مشاة قتالية. وواجهت الهجمات الروسية وابل من الطائرات المسيّرة والمدفعية الأوكرانية، فأكّد أنّ جنود اللواء 46 صدّوا كلا الهجومَين، لكنّهم لا يتوقعون أن يتوقف الروس عن المحاولة.

في فوهليدار - وهي مدينة تعدين سابقة تقع عند تقاطع منطقتي دونيتسك وزابوريجيا - يحقّق الروس أيضا تقدّماً، إذ يتقدّمون حول المدينة من الشمال الشرقي. ويتحدّث الجنود الروس عن أنّهم طردوا الأوكرانيِّين مؤخّراً من منجمَين كانا بمثابة قواعد رئيسية، ممّا زاد من خطر سقوط المدينة التي كانت موقعاً لبعض أكبر الخسائر الروسية في هذه الحرب.

ويُشير دميترو، الملازم أول البالغ من العمر 41 عاماً مع لواء الميكانيكية 72 الذي قاد الدفاع عن المدينة لمدة عامَين من دون انقطاع، إلى أنّهم «ما زالوا لم يأخذوا فوهليدار حتى اليوم». لكنّه قلق «إذا تمكنوا من تجاوز المناجم، فسيحاصرون فوهليدار». أمّا الآن، فإنّ الجنود في المدينة «يتمسّكون بها فقط».

الأكثر قراءة